
غسان ريفي
في الوقت الذي كان فيه رئيس الحكومة نواف سلام مزهوا بتلاوة قرار مجلس الوزراء القاضي بتكليف الجيش وضع خطة تطبيقية لحصر السلاح بيد الدولة قبل نهاية العام الحالي وعرضها على مجلس الوزراء نهاية الشهر الجاري، كان العدو الاسرائيلي يشن غارة بثلاثة صواريخ على بلدة بريتال في البقاع ما أدى إلى إستشهاد أحد المواطنين، ومن دون أن يحرك سلام ساكنا تجاه العدوان الصهيوني المستمر أو حتى إستنكاره أمام وسائل الإعلام، حيث بدا كمن يقدم هدية لأولياء الأمر الذين دعموا وصوله إلى رئاسة الحكومة لتنفيذ أجندة محددة في رأس أولوياتها سحب سلاح المقاومة وإرضاء الراعي الأميركي الضنين على أمن إسرائيل.
قرار الحكومة المتعلق بحصرية السلاح جاء مناقضا لخطاب القسم وللبيان الوزراي اللذين أكدا بالدرجة الأولى على الانسحاب الإسرائيلي ووقف الاعتداءات والاغتيالات والالتزام بإتفاق وقف إطلاق النار والإفراج عن الأسرى، كما شكل إنقلابا على كل ما تم التوافق عليه في الاتصالات والنقاشات التي سبقت الجلسة لجهة تأجيل البت بهذا الملف إلى حين إستكمال المشاورات أو إتخاذ القرار من دون تحديد مهلة زمنية.
رمت الحكومة كرة ملف حصرية السلاح في ملعب الجيش اللبناني الذي كان يُفترض أن يتم التشاور مع قائده العماد رودولف هيكل أو دعوته لحضور الجلسة للوقوف على رأيه في إمكانية القيام بهذه المهمة سواء لجهة الامكانات أو الفترة الزمنية المحددة، لكن الحكومة تعاملت مع الجيش المثقل بالمهام الأمنية والعسكرية على قاعدة “نفذ ثم إعترض”، غير آبهة بما قد تؤول إليه تداعيات قرارها الذي وصفته كثير من الأوساط بالارتجالي، في حين وصفته أوساط أخرى بالتاريخي تشفيا بالمقاومة، وهو ربما يكون تاريخيا كونه يضع السلم الأهلي على المحك بعد إتفاق الطائف الذي أوقف الحرب ويضع الجيش بمواجهة المقاومة.
بات واضحا أن الجلسة شهدت الكثير من الأخذ والرد والضغوطات والمشادات الكلامية حول بند حصرية السلاح، في ظل إنقسام في مجلس الوزراء بين من يضغط لتحديد مهلة زمنية وبين من يدعو إلى تأجيل البت بقرار حصرية السلاح، وبدا أن الفريق الثاني الذي يقوده رئيس الجمهورية كاد أن يصل إلى نتيجة إيجابية مع التسريبات الإعلامية التي تحدثت عن إمكانية تأجيل البحث بملف السلاح إلى جلسة تعقد الأسبوع المقبل، إلا أن الفريق الذي يقوده رئيس الحكومة إستقوى على الفريق الثاني ونجح في إصدار قرار تكليف الجيش وتحديد مهلة زمنية له، الأمر الذي أدى إلى إنسحاب وزيري الثنائي الشيعي ركان ناصر الدين وتمارا الزين من الجلسة إحتجاجاً، والى تسجيل تحفظ من الوزير الشيعي الخامس فادي مكي، علما أن وزيريّ المال والعمل ياسين جابر ومحمد حيدر غابا عن الجلسة لوجودهما خارج البلاد.
وترك القرار الحكومي سلسلة تساؤلات لجهة: هل يستطيع الجيش في ٢٥ يوما أن يعد خطة لحصرية سلاح عمره ٤٣ عاما؟، وعلى ماذا تستند هذه الخطة وكيف يمكن مقاربتها مع الورقة الأميركية؟، وفي حال إنجازها كيف يمكن تطبيقها؟، هل سيوضع الجيش في وجه المقاومة وبيئتها والداعمين لبقاء سلاحها إلى حين الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي اللبنانية؟، وماذا عن سلاح المخيمات الذي كان يفترض أن يصار إلى البدء بسحبه منذ ١٥ حزيران الفائت وقد أخفقت الحكومة في ذلك؟، وهل سيتم دفع الجيش إلى خوض حرب مع الفصائل الفلسطينية داخل هذه المخيمات؟، ثم ماذا عن العدوان الاسرائيلي المستمر على لبنان؟، وكيف لحكومة تدعي الحفاظ على السيادة اللبنانية أن تتغاضى عن الاحتلال والاعتداءات وتسعى إلى سحب السلاح الذي يهدد العدو؟.
في ظل كل هذه الأسئلة التي ليس لها إجابات شافية، أطلّ أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم لينبّه من “دعاة الفتنة الداخلية الملطخة أيديهم بالدماء ومن الذين يعملون لمصلحة المشروع الإسرائيلي”، وليؤكد أن “حزب الله لا يوافق على أي جدول زمني يُعرض لينفذ تحت سقف العدوان الاسرائيلي”، وليشدد على أن “أي توسيع لهذا العدوان سيؤدي إلى تساقط الصواريخ على الكيان، وكل الأمن الذي بنوه في ثمانية أشهر قد يسقط في ساعة”.
كلام الشيخ قاسم جاء بمثابة رسائل للداخل بما فيها الحكومة لعدم إستضعاف المقاومة والخضوع للإملاءات الأميركية، وللخارج بما في ذلك محاولة لتفعيل قوة الردع والتأكيد على أن المقاومة رممت نفسها وأنها جاهزة للتصدي للعدوان وأن صبرها لن يدوم طويلا.
ما بين قرار الحكومة وموقف المقاومة تزداد الضغوط على لبنان وعلى أمنه ووحدته الوطنية، خصوصا بعد الحديث عن أن السلاح هو موضوع “ميثاقي” لا يمكن للحكومة أن تتخذ فيه أي قرار كونه يحتاج إلى إجماع وطني غير متوفر، الأمر الذي يجعل قرار الحكومة أمرا خلافيا غير قابل للتنفيذ!..